responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 455
لمضار الدنيا، وامر بالتقوى تقليلا تَقْلِيلًا لِمَضَارِّ الْآخِرَةِ، فَكَانَتِ الْآيَةُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ جَامِعَةً لِآدَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أَيْ مِنْ صَوَابِ التَّدْبِيرِ الَّذِي لَا شَكَّ فِي ظُهُورِ الرُّشْدِ فِيهِ، وَهُوَ مِمَّا يَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَعْزِمَ عَلَيْهِ، فَتَأْخُذُ نَفْسُهُ لَا مَحَالَةَ بِهِ، وَالْعَزْمُ كَأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْحَزْمِ وَأَصْلُهُ مِنْ قَوْلِ الرَّجُلِ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا، أَيْ أَلْزَمْتُهُ إِيَّاكَ لَا مَحَالَةَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ التَّرَخُّصُ فِي تَرْكِهِ، فَمَا كَانَ مِنَ الْأُمُورِ حَمِيدَ الْعَاقِبَةِ مَعْرُوفًا بِالرُّشْدِ وَالصَّوَابِ فَهُوَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَجُوزُ لِعَاقِلٍ أَنْ يَتَرَخَّصَ فِي تَرْكِهِ، وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ عُزِمَ عَلَيْكُمْ فِيهِ أي ألزمتم الأخذ به والله أعلم.

[سورة آل عمران (3) : آية 187]
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)
اعْلَمْ أَنَّ فِي كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنِ الْيَهُودِ شُبُهًا طَاعِنَةً فِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَجَابَ عَنْهُ أَتْبَعَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ عَلَى أُمَّةِ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، أَنْ يَشْرَحُوا مَا فِي هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ مِنَ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى صِحَّةِ دِينِهِ وَصِدْقِ نُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّعَجُّبُ مِنْ حَالِهِمْ كَأَنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ يَلِيقُ بِكُمْ إِيرَادُ الطَّعْنِ فِي نُبُوَّتِهِ وَدِينِهِ مَعَ أَنَّ كُتُبَكُمْ نَاطِقَةٌ وَدَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْكُمْ ذِكْرُ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ نبوته وذينه. الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَوْجَبَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتِمَالَ الْأَذَى مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ إِيذَائِهِمْ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْتُمُونَ مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنَ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّتِهِ، فَكَانُوا يُحَرِّفُونَهَا وَيَذْكُرُونَ لَهَا تَأْوِيلَاتٍ فَاسِدَةً، فَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا مِنْ تِلْكَ الْجُمْلَةِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الصَّبْرُ [في قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ] وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَعَاصِمٌ وَأَبُو عَمْرٍو لَيُبَيِّنُنَّهُ وَلَا يَكْتُمُونَهُ بِالْيَاءِ فِيهِمَا/ كِنَايَةً عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ فِيهِمَا عَلَى الْخِطَابِ الَّذِي كَانَ حَاصِلًا فِي وَقْتِ أَخْذِ الْمِيثَاقِ، أَيْ فَقَالَ لَهُمْ:
لَتُبَيِّنُنَّهُ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ [الْبَقَرَةِ: 83] بِالتَّاءِ وَالْيَاءِ وَأَيْضًا قَوْلُهُ: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ [الْإِسْرَاءِ: 4] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِ الْمِيثَاقِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْرَدُوا الدَّلَائِلَ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ التَّكَالِيفِ وَأَلْزَمُوهُمْ قَبُولَهَا، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِنَّمَا أَخَذَ الْمِيثَاقَ مِنْهُمْ عَلَى لِسَانِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَذَلِكَ التَّوْكِيدُ وَالْإِلْزَامُ هُوَ الْمُرَادُ بِأَخْذِ الْمِيثَاقِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ:
قُلْتُ لِابْنِ عباس: إن أصحاب عبد الله يقرؤن وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ [آل عمران: 81] فَقَالَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ عَلَى قَوْمِهِمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ إِلْزَامَ هَذَا الْإِظْهَارِ لَا شَكَّ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِعُلَمَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ مَا فِي الْكِتَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ إِلَى مَاذَا يَعُودُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالسُّدِّيُّ: هُوَ عَائِدٌ إِلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى مَعْلُومٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: يَعُودُ إِلَى الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ: أُوتُوا الْكِتابَ أَيْ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ بِأَنْ يُبَيِّنُوا لِلنَّاسِ مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى صِدْقِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 455
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست